ترك صفوف الدرك الملكي سنة 86 وإمتهن الشعوذة وتحول إلى قاتل بالجديدة.. لكن “الروح عزيزة عند الله”
أسامة طبيقي – الجديدة إكسبريس
توصلت صحيفة “الجديدة إكسبريس” إلى تفاصيل حصرية، بخصوص جريمة القتل التي هزت الرأي العام الوطني والمحلي، والتي راحت ضحيتها سيدة جرى العثور على جثتها متفحمة بالكامل مرمية بدوار النواصرة بجانب مدخل الطريق السيار المؤدي إلى مدينة الدار البيضاء، بالضبط على مستوى جماعة الحوزية بإقليم الجديدة.
لحظة العثور على الجثة
كانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف صباحاً من يوم الجمعة 15 دجنبر 2023 من الأسبوع الماضي، عندما كان شابا يمر من المكان ذاهبا إلى عمله بإحدى المنتجعات السياحية بالحوزية، فإذا به يلمح شيئا يحترق على غير عادته بالمكان الذي يسلكه بشكل يومي، الشيئ الذي جعله يقترب لينظر ما هو، لكنه تفاجئ بجثة انسان كانت وسط النيران، مما دفع به إلى اخبار إحدى المصلين الذين كانوا كذلك في طريقهم إلى مسجد الدوار من أجل أداء صلاة الفجر.
تجمهر المارة دفع بهم إلى اخبار السلطات المحلية بالدوار، والتي أبلغت بدورها رجال الدرك الملكي، حيث انتقل فريق من المركز القضائي والفصيلة القضائية للدرك الملكي بمدينة الجديدة، وتم تطويق مسرح الجريمة لفك لغز هذه القضية التي كانت تبدو معقدة، خاصة أن جثة الضحية تم العثور عليها في حالة متقدمة من التفحم، وتضررت بشكل كبير، ولم تكن تحمل أي علامات تشخيصية سوى أنها تعود لأنثى.
تشابك قضيتين
صادفت تحقيقات جريمة قتل وحرق جثة سيدة بدوار النواصرة، في نفس اليوم اكتشاف جثة أخرى في حي السلام بمدينة الجديدة، وبعدما استعملت المصلحة الجهوية القضائية للدرك الملكي بالجديدة عدة انتدابات بهدف توسيع دائرة البحث، تبين عدم وجود أي رابط بين الجريمتين، بعدما تم الوصول إلى مرتكب الجريمة الثانية بحي السلام، والذي كان قد فر على متن سيارة من نوع “كليو” اكترتها ضحيته الهالكة.
وكانت في بداية الأمر تحوم الشكوك حول ارتباط الجرميتين، بعدما حلت اخت ضحية حي السلام عند مركز الدرك الملكي بالجديدة، واخبرتهم أن اختها قد اختفت في ظروف غامضة، وهو ما تفاعلت معه عناصر الفصيلة القضائية بجدية، وكانوا يضنون في البداية ان الجثة المحروقة قد تعود لأخت السيدة التي تقدمت ببلاغ الاختفاء، وتم تشكيل فريق للانتقال إلى أحد الشقق حيث يقطن الشخص الذي صرحت اخت الضحية انه كان يعرفها، وبمجرد الوصول إلى الشقة، واخد إذن السيد وكيل الملك للدخول، تم العثور على جثة أخرى لسيدة مذبوحة وكانت تعود لأخت السيدة التي أبلغت الدرك الملكي بإختفاءها وكانت تظن انها هي الجثة المجهولة المتفحمة، لتكون بذلك جريمة دوار النواصرة قد قادت المحققين إلى جريمة حي السلام، إلا أنهما غير مرتبطتين مع بعضهما.
كاميرات مراقبة مكنت من تعقب سيارة المتهم
حنكة المحققين لدى الفصيلة القضائية وتقنيي مصلحة التشخيص القضائي مكنت من التوصل إلى معلومات مهمة، باعتماد المعدات والوسائل المتطورة الموضوعة رهن إشارتها خصوصا بعد قدوم فريق متخصص تابع للفرقة الوطنية للدرك الملكي، قبل أن تنطلق التحريات والأبحاث الميدانية المدعومة بالخبرات التقنية لتحديد الجاني.
ونظرا لبشاعة الجريمة وخطورة الأسلوب الإجرامي المعتمد فيها، فقد جندت القيادة الجهوية للدرك الملكي بالجديدة، كافة أطقمها وعبأت وسائلها التكنولوجية بغية فك لغزها، وسرعان ما أفصح البحث الميداني المنجز عن نوع وترقيم السيارة التي كانت تحمل الضحية، وكانت سيارة خفيفة من نوع “سيتروين” ذات لون أزرق، و ترقيم بيضاوي بالضبط من الحي الحسني، الخيط الرفيع الذي أوصل المحققين إلى الأماكن التي سلكتها السيارة منذ رمي الجثة قرب قنطرة دوار النواصرة بتراب جماعة الحوزية بإقليم الجديدة، إلى منزل المشتبه فيه.
وقد أسهمت يقظة المحققين والتعاون الفعّال مع سكان مدينة الجديدة والدواوير المجاورة والمحلات التجارية في توفير ما التقطته كاميرات المراقبة التي ساعدت في الكشف عن تفاصيل الواقعة، والطريق التي سلكها المتهم حتى عاد على متن سيارته إلى المنزل الذي كان يكتريه بدوار الغضبان بتراب جماعة مولاي عبد الله بإقليم الجديدة، وكان قد زار في طريق عودته بعدما تخلص من الجثة، محل تجاري غير بعيد عن مسرح الجريمة لاقتناء حاجته، و حاول بذكائه تمويه الأدلة المرتبطة بالجريمة، إلا أن “الروح عزيزة عند الله”.
ليلة الإيقاع بالمتهم
منذ العثور على الجثة المتفحمة، ظلت جميع تشكيلات الدرك الملكي بالجديدة، ليل نهار تراقب مرور السيارة، وهو ما تحقق بالفعل، حيث تمكن أحد المحققين لدى الفصيلة القضائية بالجديدة، من الوصول إلى المتهم، وحاول بذكائه افتعال حادثة سير وهمية مع المتهم لمنعه من الفرار حتى تأتي إليه التعزيزات الأمنية من عناصر درك ملكي كانت غير بعيدة عنه.
وبعد وصول عناصر الدرك الملكي، إلى مكان الحادثة المفتعلة، تفاجئ المتهم بتصفيده، بعدما كان يظن أنه قد أفلت من الجريمة وانه غير معروف، ليتم الانتقال معه إلى منزله بدوار الغضبان بتراب جماعة مولاي عبد الله بإقليم الجديدة، وتم العثور داخل المنزل على بقع دم وشعر ولوازم تعود إلى الضحية، هذه الدلائل لم يغفلها محققو الدرك الملكي، بل جعلوها المسلك الأول الذي وُجه فيه البحث، لكن ولضرورة وجود قرائن ثابتة تدين أو تبرئ المشتبه فيه، كان لا بد من اعتماد الخبرات التقنية والعلمية التي ستعتبر الفيصل في تحديد نسبة تورطه، وهو المعطى الذي أفضى بالفعل إلى تأكيد مجموعة من القرائن والدلائل العلمية التي جعلت المعني يبوح بكافة تفاصيل هذه القضية، التي أظهرت من جديد علو كعب مصالح القيادة الجهوية للدرك الملكي بالجديدة.
هوية المتهم والضحية
كشفت معطيات هذه القضية ل”الجديدة إكسبريس”، أن المشتبه فيه كانت تربطه علاقة مع الضحية، الذي حصل بينهما خلاف قام على إثره المشتبه فيه، بربطها داخل منزل بدوار الغضبان، وعرضها للتعذيب وقام بتصويرها وتوجيه كلام لها، من قبيل انها كانت تخونه مع شخص آخر، وكان يستمع لحظة تعذيبها إلى سورة من القرآن الكريم، في تمويه منه للجيران، حتى لا يسمع أحدا صراخها.
وتشير المعطيات نفسها إلى أن المشتبه فيه البالغ من العمر 59 سنة والمسمى “عبد الرحمن.اع” ، قام بوضع جثة الضحية البالغة من العمر 47 سنة والمسماة قيد حياتها “رحيمة.ف”، في سيارته الخفيفة بعد قتلها داخل المنزل بدوار الغضبان، ونقلها إلى منطقة خلاء بدوار النواصرة، وهناك سكب عليها مادة مشتعلة في محاولة منه لطمس كافة معالم الجريمة، قبل أن يعثر عليها أحد المارة ويبلغ السلطات المحلية، لتستنفر مختلف الأجهزة الأمنية، التي حجت إلى المكان للقيام بالمعاينات والمشاهدات المكانية اللازمة لفك لغز الجريمة.
وكان المشتبه فيه يمتهن حرفة الشعوذة “شواف” ويستقطب زبنائه عبر تطبيق التواصل الاجتماعي “تيك توك”، وكان قد سبق له أن حاول الاشتغال سنة 1986 داخل صفوف فرقة الموسيقيين التابعة للدرك الملكي، وبقي يتمرن رفقة الفرقة طيلة ثلاث سنوات حتى قرر الابتعاد عن الدرك الملكي، نظرا لانحرافه وامتهانه النصب والاحتيال والضرب والجرح وكان موضوع مذكرة بحث لدى أمن تطوان، حيث قضى بذلك عقوبات حبسية تراوحت بين سنتين والعقوبة الثانية دخل فيها السجن لمدة ستة أشهر، حتى جاء إلى إقليم الجديدة وبدأ في امتهان الشعوذة، و اكترى منزلا داخل مركز مولاي عبد الله وانتقل بعد سنوات قليلة إلى دوار الغضبان حيث ارتكب جريمته، التي راحت ضحيتها سيدة تنحدر من سيدي معروف بمدينة الدار البيضاء حسب تصريح عائلتها لصحيفة “الجديدة إكسبريس”، وأنها كانت تشكل موضوع بحث لفائدة العائلة مسجل قبل 12 يوم من وقوع الجريمة لدى أمن الدار البيضاء.
ومن المقرر، حسب المصادر ذاتها، أن يتم تقديم المشتبه فيه أمام النيابة العامة بعد الاستماع إليه حول تفاصيل الواقعة وإعادة تمثيل الجريمة.