عبد الباسط أباتراب
إن قرار وزارة الداخلية، حول منع البرقع لا مناص منه أنه أحدث ضجة واسعة بين أفراد المجتمع، بشكل عام، وبين مرتدياته من النساء بشكل خاص، حول مؤيد لهذا القرار لمن يريد إسقاط التقليد من المجتمع، والدفاع عن الحداثة بحمولتها الثقافية الغربية، وبين معارض لهذه المآخذة مرجحا رأيه كون المجتمع المغربي مجتمعا محافظا حتى النخاع، إلا أن اللافت في هذا القرار هو تهجمها الواضح والصريح على الحريات الفردية وفق منطق الدستور الجديد، وحتى الدساتير التي كانت من قبل، هذا ما إذا كنا نعتقد بأننا في دولة الحق والقانون، دولة المساواة والعدالة الاجتماعية، دولة تحترم ذاتها بذاتها، في هذا الباب، أثير سؤالا استنكاريا مفاده، هل التقدم نحو الأمام والتحول في بنيات وانساق المجتمع رهين بالطعن في الحريات الفردية، وضمنيا في أحد فصول الدستور ؟!
صحيح أننا نحن اليوم أمام تدين طقوسي جديد، أمام اشكال تدين جديدة،- الدين كفعل وكممارسة- كمدنس وليس مقدس على حد تعبير ايميل دوركايم، في مؤلفه ” الأشكال الأولية للحياة الدينية” وبالرجوع إلى ثوابت المجتمع المغربي انطلاقا من مجموعة من الدراسات الأنثروبولوجية كدراسة ” الدين والمجتمع” والدراسات السوسيولوجية، نجد على أن المجتمع المغربي يحمل في طياته معان ودلالات تقليدية أكثر ما أنها محافظة، وحتى ما إذا انطلقنا من امثلته الشعبية” الجديد ليه جدة والبالي لا تفرط فيه” وذلك مقارنة دائما مع مغرب ما قبل الاستعمار ومغرب ما بعد الاستعمار، وما خلفه هذا الأخير من أثر على هوية المجتمع المغربي الحضارية.
إذا كان منع البرقع بهدف أمني، فإنه في ذات السياق إقصاء لفئة ولشريحة اجتماعية معينة، محافظة، متشبتة بتدينها . الا يعني هذا ضرب في حرية المعتقد، بعدما تحول من شكل للباس إلى حرية المعتقد، وبالتالي المساس بهوية دينية، هذا القرار أكد لنا اشكاليتين أساسيتين مهمين لنا من الناحية السوسيولوجية، وهما اشكاليتي التقليد والتحديث باعتبارهما يشكل أحدهما نقيضا للآخر، وفي نفس الآن يشكل أحدهما معيارا للآخر بين الفينة والأخرى، وهي علاقة دياليكتيكية بامتياز ، لمعرفة ما إذا كان المجتمع في طور التقليد أم التحديث، وقبل أن نتحدث عن البرقع كلباس، لابد من الحديث عنه في منظمومته الثقافية، في بعده الموضوي التشهيري وذلك بفعل موجة العولمة، أصبح برقعا معولما، وبالتالي أصبح يكتسي طابعا استيتيقيا ( جماليا )، وتجاريا أكثر ما أضحى يحافظ على طابعه الديني، كوظيفة التستر …الخ.
والابعد من ذلك، إنه أصبح يكتسي بعدا طبقيا، البحث عن أغلى وأرقى واجذب الاثواب، وذلك من أجل التفاخر والتمايز ” la distinction” ك البرقع التركي على سبيل المثال لا الحصر، إذن في نفس الوقت هو ضرب موضة لباس معينة بمواصفات معينة ، في فئة معينة أيضاً، أما إذا القرار يصب من الناحية الأمنية، فهنا نتساءل عن ما الحلول أيضاً للقضاء على أبشع الجرائم التي ترتكب، بعيدة كل البعد عن مثل هاته الحيثيات والملابسات وباسم الدين أيضاً؟ !
فالورقة الدينية ظلت حاضرة وبقوة في هذا الجانب، وذلك راجع إلى مجموعة من مكونات المجتمع، بدءاً بالأسرة، مروراً بالمدرسة، وانتهاء بالمجتمع المدني أو الجمعيات الثقافية بل غمحمد شراك، و” الجماعات الإسلامية” التي تنشر الدعوة والرسالة المحمدية، متضمنة في باطنها، أهدافا سياسية، أكثر ما إنها دينية، وهذا مايسمى بتديين السياسة أو تسييس الدين على حد تعبير محمد ضريف. لا تحدثني عن الإسلام، ولكن دعني أرى الإسلام فيك.