الصيف يعري المجلس الجماعي للجديدة.. فشل في جمع النفايات وأهمل المساحات الخضراء وسمح بتفشي البناء العشوائي
أحمد ذو الرشاد (الصباح)
أعلن المجلس الجماعي، خلال فترة الصيف الحالي، عن عجزه في تدبير قطاع النظافة، إذ تترك الحاويات مملوءة عن آخرها لعدة أيام، كما فشل في تسيير الفضاءات الخضراء على قلتها، في وقت يسجل فيه الإجهاز على الأشجار وتعويضها بالنخيل وكأن الجديدة توجد في الصحراء، إضافة إلى تراجع قطاع التنشيط الصيفي والانسحاب من تدبير الشاطئ، والسماح بانتشار البناء العشوائي. تشرف مرحلة الصيف على نهايتها، لكنها تركت الكثير من الملاحظات السلبية وأثارت العديد من التساؤلات والانتقادات حول أداء المجلس الجماعي وفعاليته ودوره في حماية أمن وسلامة المواطنين وتلميع صورة المدينة التي طالها الصدأ والرطوبة.
تجاوزت المشاكل المواكبة لفترة الصيف أو التخييم بالجديدة، قدرات المجلس الجماعي، ولم تعد المدينة، التي كانت تنعت بالهادئة كذلك، بل أصبحت بالنسبة لسكانها وقاطنيها، بمثابة الغول الذي ينام طيلة عشرة أشهر ويستيقظ خلال شهرين، حيث يصعب ترويضه وإعادته إلى حجمه. لم تعد الجديدة عروس الشواطئ، بل أصبحت اليوم مثل تلك العجوز ، التي لم تنفع معها مساحيق التجميل، لتعيدها إلى شبابها وحيويتها ونشاطها وفتنتها الساحرة.
أزبال ونفايات
لا يخلو أي حي أو شارع أو زنقة من أكوام الأزبال والنفايات، الفائضة عن سعة الحاويات التي وفرتها الشركة صاحبة التدبير المفوض. لا يقف الحد عند أكوام النفايات المنزلية، بل يتعدى الأمر ذلك، وتضاف إليها أكوام النفايات والأزبال الناتجة عن نهاية أشغال البناء العشوائي الذي انتشر بمختلف أنحاء المدنية دون احترام مقتضيات التعمير والتنطيق العمراني.
وإذا كان مسؤولو المجلس الجماعي للجديدة يتحججون بأن الجديدة، تعرف إقبالا كبيرا من حيث الزوار والسياح، وأن ذلك يزيد من حجم السكان، الذي يتضاعف أربع مرات، مما يزيد من حجم النفايات المنزلية، في ظل الأسطول المخصص من قبل الشركة، الأمر الذي يجعلها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها طيلة شهرين (يوليوز وغشت من كل سنة).
انتقد عدد من أبناء الجديدة الوضع الراهن المرتبط بقطاع النظافة، وعبروا عن استيائهم وتذمرهم من الحالة التي وصلت إليها المدينة.
تدهور المساحات الخضراء
من المؤاخذات التي تثار بشدة وسط سكان وزوار المدينة، تراجع المساحات الخضراء وتدهور حالة الباقي منها، إذ هجم الإسمنت المسلح وانتشر البناء العشوائي، وحاصرت الدواوير المدينة، ما ساهم في ترييفها.
منذ عهد الاستعمار لم يتم توسيع خريطة الحدائق، بل تم الإجهاز على الثلاث الموجودة، وهي حديقة مولاي الحسن بسيدي الضاوي، وحديقة الماريشال ليوطي (محمد الخامس حاليا) بحي البركاوي وحديقة بارك سبيني بحي الصفا قرب عمالة الإقليم.
تلاشت الأشجار وشاخ العديد منها وتساقطت فروعها، ولم يتم تعويض اليابس والمكسر منها، كما تحولت وظيفتها من الترفيه والترويح عن النفس، إلى احتواء المرضى والمعتوهين وشمامي لصاق العجلات والمشردين، بل لم تسلم حتى من هجوم طائر النغاف (طائر البقر) الذي أتى على ما تبقى من هذه الأشجار والنباتات، وانتقل حتى للنخيل بشارع محمد الخامس، مساهما في تلويث البيئة بترك فضلاته الكريهة على الإسفلت.
ومن غريب الصدف أن المسؤولين اقتلعوا أشجارا تعود لفترة الحماية وعوضوها بالنخيل وكأن الجديدة مدينة توجد في الصحراء المغربية.
وانتقدت العديد من جمعيات المجتمع المدني غياب الفضاءات الخضراء بالأحياء الجديدة، خاصة تفرعات حي السعادة وحي السلام وحي المطار، إذ يتصرف “المنهشون”، العقاريون في التصاميم دون الأخذ بعين الاعتبار أهمية ترك مساحات خضراء، لأنها المتنفس الوحيد لسكان العمارات، بل يتم الإجهاز على الأشجار التي تعرقل عملية إقامة مشاريعهم دون تعويضها في ما بعد.
شوارع مهترئة ومظلمة
رغم أن المجلس الجماعي يبذل مجهودات محتشمة في سبيل ترقيع أرضية الشوارع، فإنه يجد نفسه كمن يصب الماء في الرمل. إذ أمام حالة التردي التي تعانيها شوارع وأزقة الجديدة وأحياؤها ودروبها وأسواقها، لم تعد تنفع معها عملية الترقيع من حين لآخر، بل يتطلب الأمر إخضاعها لعمليات جراحية لاستئصال الداء.
خصص المجلس الجماعي ميزانية 400 مليون سنتيم لرتق الجروح (الحفر)، لكنها لم تغط الخصاص المهول، ولم تفلح في ردم حتى الربع أو الخمس منها.
وسمع سكان المدينة اليوم، أن جهة الدار البيضاء خصصت غلافا ماليا مهما لإصلاح شارع جبران خليل جبران من البحر إلى البحر، أي من باب الدار البيضاء إلى شارع النصر، لكن برزت بعض العراقيل ما دفع بالمجلس الجهوي إلى إعادة الدراسة لتعديلها وفق الغلاف المالي الموجود، وهو ما سيؤخر انطلاق الأشغال بهذا الشارع.
ولا يقف الخصاص هنا، بل تعاني أغلب شوارع المدينة بسبب ضعف الإنارة العمومية، فقد أعلن عامل الإقليم أخيرا في أحد الاجتماعات الرسمية، أنه تدخل شخصيا لإعادة شارع محمد السادس إلى حالته الأولى بعد إعادة الإنارة إلى أعمدته.
شاطئ بدون جاذبية
من تعرف على الجديدة القديمة، تعرف عليها من خلال شاطئها الجميل، الممتد على طول ثلاثة كيلومترات، لكن اليوم لم يعد الشاطئ جميلا ونقيا وهادئا ومثيرا، بل أصبح عبارة عن سوق يومي تباع فيها جميع المواد، وأصبح الباعة المتجولون مقيمين به، يبيعون أكواز الذرة والفشار وكل أنواع المأكولات الخفيفة والثقيلة.
في السنوات السابقة كانت تطالع الزائر لوحة إشهارية مكتوبة بخط جميل، تضع شروط الولوج إليه من بينها عدم السماح للحيوانات بالدخول. وفوجئ أبناء وزوار الجديدة أخيرا بترويج رسم كاريكاتوري جميل يشير فيه صاحبه إلى تجمع بشري وبقربه أكوام من النفايات والأزبال، وكتب إلى جانبهم: “يجب عدم السماح للبشر بالدخول إلى البحر”.
يعرف الشاطئ اليوم توافد العديد من الزوار والسياح من كل المدن لكنه فقد الكثير من جاذبيته ورونقه. يقول محمد زائر من مدينة مراكش، “لم يعد الشاطئ كما عرفته منذ أكثر من ثلاثين سنة، فقد الكثير من مميزاته التي كانت تستهوي المصطافين، من أهمها إغلاق أكشاك الاصطياف التي كانت تفتح أمامنا فرصة الاستمتاع طيلة اليوم بالاستحمام والتمتع برماله وهدوئه، كما أن أكشاك الاستحمام (الدوشات) لم يعد لها وجود، إضافة إلى ملعب الكرة الطائرة ومقهى الشمس ومقهى المحيط التي كانت تتحف الزوار والمصطافين بأغاني أم كلثوم وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ”. وسجل الزوار وأبناء المدينة تراجع التنشيط الصيفي الذي كان يفتح آفاق الاستمتاع بجو الصيف الهادئ، كما استنكروا الإجهاز على المراحيض العمومية، مما حول حديقة محمد الخامس إلى “مبولة” عمومية للسكارى والمشردين وبعض المواطنين المضطرين لقضاء حاجاتهم.
فوضى الأسعار
تعرف الجديدة خلال يوليوز وغشت هجوما كاسحا للزوار والسياح، من المدن الداخلية هربا من الحرارة المفرطة، فيتضاعف سكانها إلى ثلاثة أضعاف أو أربعة، في غياب وضع إستراتيجية واضحة من قبل المجلس الجماعي، تهم الحرص على مراقبة وتتبع كل كبيرة وصغيرة من حيث ما يقدم لهؤلاء الضيوف خاصة في ما يتعلق بالمواد الغذائية وجودتها وسلامتها وأسعارها. تقول امرأة مهاجرة لم تزر الجديدة منذ خمس سنوات، “مع الأسف لم تعد الجديدة كما كانت، أهم مشكل واجهناه هو ارتفاع الأسعار، أسعار الكراء وأسعار المواد الغذائية، التي تفوق أسعار ما يقدم لنا بإسبانيا مثلا”، قبل أن تضيف، لا يمكن كراء شقة ب600 و800 درهم لليلة الواحدة، ولا يمكن أن نتناول مشواة سردين ب20 درهما، علما أن الجديدة معروفة بإنتاجها لكمية كبيرة من السردين.
وعبر العديد من الزوار والسياح عن استيائهم وتذمرهم من الفوضى العارمة بوسط المدينة والشوارع والأزقة المتفرعة عنها، كما نددوا باستفزازات أصحاب الجيليات الصفراء والحمراء، الذين يضايقونهم أينما حلوا وارتحلوا.
وما يمارس في المقاهي والمطاعم، أمر آخر، إذ كل واحد يفرض شروطه، مستغلا تحرير الأسعار، التي في الأصل جاءت لتخدم مصلحة المستهلكين والزبناء وليس مصلحة أصحاب المقاهي الشخصية. واستغل أصحاب المقاهي والمطاعم غياب المراقبة، خاصة الشرطة الإدارية، التي تم وضع كل شروط المراقبة رهن إشارتها، لكن عملها يبقى محدودا، في الزمان والمكان.