تأنيب الضمير يفك لغز قتل متشرد.. الجريمة نفذت داخل مقبرة بسيدي بنور وظلت مقيدة ضد مجهول لخمس سنوات
أحمد ذو الرشاد (الصباح)
ظل العثور على جثة متشرد مرمية بالمقبرة الموجودة وسط سيدي بنور، لغزا كبيرا لمسؤولي الشرطة القضائية، إذ رغم تجنيد كل عناصرها الأمنية للوصول إلى الجاني أو الجناة، كانت النتيجة الفشل في تحديد هويتهم. لكن بعد مرور خمس سنوات على تاريخ وقوع هذه القضية، تقدم شخص إلى مصالح الأمن، واعترف في صحوة ضمير أنه من نفذ الجريمة رفقة شريكه في حق الضحية لسرقة مبلغ مالي كان بحوزته يتجاوز مليون سنتيم.
توصلت الضابطة القضائية بسيدي بنور بخبر العثور على جثة متشرد. وانتقل رئيس الشرطة القضائية إلى مسرح الجريمة، وعاين جثة الضحية، فلمح وجود منديل ملفوف حول رقبتها. وأمر بتحويلها نحو مستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي بالجديدة.
حيرة الضابط
فتش مساعد رئيس الشرطة القضائية جيوب جثة الهالك، فلم يعثر على ما يفيد البحث والتحقيق. ولم يتم التعرف على هويته، وتوصل من بعض المخبرين أنه يحترف التسول والتشرد وأنه قدم إلى المدينة منذ سنوات. قدر رئيس الشرطة القضائية عمر الهالك في الخمسين، ووجد نفسه في حيرة كبيرة، وطلب من مساعديه وضع الصور المتوفرة للمصلحة، وأمره بالتدقيق فيها لعله يجد واحدة ما يقوده إلى فك اللغز. لم يتم العثور بمكان وقوع الجريمة سوى على المنديل الملفوف حول رقبة الهالك، دون التوصل إلى هوية الفاعل أو الفاعلين. بحث الضابط في كل الاتجاهات وركز اهتمامه على المتشردين والمتسولين، وجيء بالعديد منهم وتم إخضاعهم للبحث والتحقيق، فلم يتوصل إلى أي خيط يساهم في الكشف عن سر هذه الجريمة.
تعرف البعض منهم على جثة الهالك وأكدوا أنه من الذين اعتادوا على التردد على السوق اليومي للتسول، وقضاء الليل بالمقبرة، ولم يتم التعرف على هويته، بل أشاروا جميعا إلى أنه معروف باسم “مسعود”، ويجهلون الوجهة التي قدم منها إلى سيدي بنور.
ظل رئيس الشرطة القضائية حائرا، ووجد نفسه عاجزا عن فك لغز هذه الجريمة الغامضة، لكنه لم ييأس ليقينه أنه لا وجود لجريمة كاملة، إذ لا بد أن يتم الكشف عن المستور في يوم من الأيام، وطلب من مساعديه مراقبة محيط المقبرة والتركيز على هوية المتشردين وتتبع خطواتهم.
كشف المستور
ظل البحث معلقا وانتقل رئيس الشرطة القضائية الذي باشر الأبحاث والتحريات إلى مدينة أخرى، وحل مكانه شخص آخر. بعد مرور خمس سنوات، نزل خبر مفرح على طاولة الشرطة القضائية وكان من بين المحققين شخص حضر الواقعة منذ بدايتها.
توصلت الضابطة القضائية بإخبارية، تفيد أن شخصا يبلغ من العمر حوالي خمسين سنة، يتحدر من الجماعة القروية لأولاد سيدي بويحيا التابعة لإقليم سيدي بنور، تقدم أمام الضابطة القضائية لدى الأمن الوطني ببني ملال واعترف أنه وزميل له، منذ خمس سنوات، قتلا متشردا بمقبرة ضريح سيدي بنور.
نادى رئيس المنطقة الأمنية، على مساعديه وطلب من اثنين منهم الانتقال فورا إلى بني ملال، إذ توجه فردان من الشرطة القضائية على متن سيارة المصلحة نحو المدينة نفسها وتسلما المتهم واقتاداه إلى عاصمة دكالة.
ولتتأكد من صحة أقواله، رجعت الضابطة نفسها إلى أرشيف الشرطة القضائية، فعثرت على قضية قتل فيها متشرد في الخمسين من عمره، مجهول الهوية، قيدت ضد مجهول. ووضعت الضابطة القضائية المتهم تحت تدبير الحراسة النظرية وباشرت البحث والتحقيق معه.
اعتراف صريح
لم يجد المحققون صعوبة في الاستماع إلى المتهم وانتزاع اعتراف واضح وصريح بما اقترفه في حق الهالك، بل اعترف تلقائيا، أنه يحترف التسول والتشرد لأنه لا يتوفر على سكن قار. وأضاف أنه كان رفقة متشرد آخر بمقبرة سيدي بنور، فشاهدا متشردا بحوزته مبلغ مالي قدر في 13 ألف درهم، فقررا سرقته، وتتبعا خطواته ولما اقتربا منه، أبدى مقاومة شرسة وحاول الاعتداء عليهما، لكنهما تمكنا من شل حركته، ولفا منديلا حول عنقه وأحكما قبضتهما عليه بعصا إلى أن فاضت روحه.
وأكد المتهم في تصريحاته، أنهما استوليا على المبلغ المالي، وقسماه بينهما، وأخذ كل واحد منهما طريقا مختلفا، مشيرا إلى أنه غادر المدينة فورا في اتجاه مراكش، وقادته رجلاه إلى بني ملال التي وصل إليها بعد عدة أيام.
وواصل المتهم اعترافه، بالتأكيد على أنه واصل التسول والتشرد، وأقر أنه لم يعد ينام من شدة تأنيب الضمير وأنه حاول الانتحار في العديد من المناسبات، ليقرر في نهاية الأمر، تقديم نفسه أمام مصالح الأمن ببني ملال والاعتراف بالجريمة التي شارك زميله فيها.
إيقاف المتهم الثاني
وجدت الضابطة القضائية صعوبة كبيرة في تحديد هوية المتهم الثاني، وعرضت بعض الصور على المتهم الأول، الذي تمكن من التعرف على زميله المتشرد. وعلمت الضابطة القضائية، التي باشرت بحثها في شأن المتشرد الثاني أنه استقر بأولاد افرج مسقط رأسه. ولما انتقلت إلى هناك، اكتشف أنه انتقل إلى موسم مولاي عبد الله السنوي. ووجدت الضابطة القضائية نفسها من جديد أمام مفترق الطرق. ومثل المتهم الأول أمام رئيس هيأة الحكم لدى محكمة الاستئناف، التي آخذته أجل جناية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وحكمت عليه بالمؤبد.
وظل المتهم الثاني في حالة فرار، وكثفت الضابطة القضائية من أبحاثها وتحرياتها، وتمكنت بفضل مساعدة العديد من المخبرين والمتعاونين معها، من التوصل إلى مكان وجوده. وعلمت أنه يوجد بالسجن المحلي بسيدي موسى بالجديدة، بعد إدانته من أجل النصب وحيازة واستهلاك المخدرات والإدلاء بهوية كاذبة. واستمعت إليه حول المنسوب إليه، فنفى معرفته بالمتهم الأول، واضطرت الضابطة نفسها إلى استقدام المعني بالأمر الأول من السجن المحلي لمول البركي بآسفي وأجرت مواجهة بينهما، فتشبث كل واحد بأقواله، لكن النيابة العامة بعد مثولهما أمامها، اقتنعت بثبوت جناية القتل العمد مع سبق الإصرار والسرقة الموصوفة في حق المتهم الثاني وقضت بإدانته والحكم عليه بالمؤبد من أجل الجناية ذاتها، لكن الغرفة الاستئنافية، خفضت الحكم وحددته في 30 سنة سجنا نافذا.